ببساطة الرمزية تعني أن الأشياء ليست بسيطة كما تبدو، بل تحمل معنى أخر أعمق، وله إسقاطات أخرى؛ والرمزية أو الاستعارات ليست جديدة مطلقاً، فمثلاً في كليلة و دمنة أغلب القصص عن حيوانات تتحدث مع بعضها و لكنها اسقاطات عن التجار والطمع البشري، عن السلطة وتحدي السلطة عن الثورة والغضب، ومواضيع أخرى كالجنس والعلاقات مثلاً، لكنها على السطح عبارة عن قرد يتحدث مع سلحفاة و دب يُخدع من أرنب، عبرت الرمزية إلى الأدب من أبو الفنون التعبيرية كلها وهو (الرسم).
ومنذ رسوم رجال الكهف إلى تعاقب الحضارات منذ آلاف السنين، كانت الرمزية حاضرة وبقوة مع التطور البشري، حينما كانوا يتصورون البركان على شكل الإله الحداد فولكانو في الحضارة اليونانية أو الإعصار إلى بوسيدون والبرق إلى زيوس هذه رمزية، أيضاً الأيقونات التي تراها في رسوم عصر النهضة حول رؤوس القديسين لمنحهم قداسة بصرية عوضاً عن التعبير عنها بالكتابة، ورسم الملائكة كأطفال بأجنحة للتعبير عن قدسيتهم وروحانيتهم، لقد استمرت الرمزية بالنمو والتطور مع تطور البشر والفن بشكل عام، وما زالت بعض الرموز في قلب الشاعر كما يقول المثل؛ كالمركبة الطائرة في الموناليزا وبعض التفاصيل في لوحات دافينشي أو تماثيل مايكل أنجلو؛ ربما خوفاً من سلطة الكنيسة أو الملك والسلطة الحاكمة حينها للتعبير عن رأيه للأجيال القادمة الذي قد لا يكون بالضرورة مهماً، فنرى الكثير من الرمزيات في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري وبخلاء الجاحظ، مروراً بجحيم دانتي اليغري وصولاً إلى مزرعة الحيوان لجورج أورويل، هي عبارة عن ثورات صغيرة على السلطة الحاكمة والسلم الاجتماعي الموجود في عصرهم، تحولت هذه الرمزيات عبر العصور إلى وثيقة تاريخية عن وجهة النظر الأخرى لذاك العصر والتحديات الاجتماعية والسياسية في ذلك العصر.
مع ميلاد الفن الجديد في القرن الماضي (السينما) بدأت الرمزية رحلتها بهدوء إلى الفن الجديد ربما منذ أفلام جورج ميليز الأولى “رحلة إلى القمر” و “مغامرة تحت الماء” فالخروج من العالم والوصول إلى الحلم كان هدف ميليز، لكن أفلامه رغم طرافتها وطولها المحدود تحمل رمزياتها الخاصة عن طمع الإنسان ورغبته بالتوسع عن الطمع والجشع البشري.
تطورت الصناعة حيث أن فلماً مثل “Metropolis” 1927 لفريتز لانج الذي يحمل رمزيات ما زالت قائمة حتى يومنا هذا؛ مثل الإنسان ضد الألة والتفاوت الطبقي، يعتبر الفيلم من أولى الأفلام الرمزية الذي تجري أحداثه في مدينة مستقبلية ديستوبية، وأفلام المتشرد النبيل لتشارلي شابلن في أفلام مثل “city lights” حيث يتحدث الفيلم رغم طرافته عن الفقر والآلة التي ستأخذ عمل الإنسان، والإنسان الذي سيتحول لعبد الماكينة الصناعية، حيث يظهر شارلي شابلن حرفياً كمسنن بين مسننات المعمل الذي يستهلك حياته، ربما لا يمكننا الحديث عن الرمزية دون ذكر “The seventh seal” لأنغمار بيرجمان، حيث يجلس فارس مصاب مع الموت مجسداً في لعبة شطرنج ، وتقريباً كل أفلام المعلمين الكبار أمثال كوبريك، فيليني وسكورسيزي.
السؤال هنا لماذا لا يقول صناع الفيلم ما يريدون قوله بشكل مباشر دون المرور بكل هذا التعقيدات؟ فسقف الحريات أعلى من أي فترة سابقة في التاريخ وأغلب التابوهات تم الحديث عنها لحد الملل كالدين والإباحية فأصبحت مواضيع عابرة في كثير من الأفلام.
رغم أن سقف الحريات مرتفع لكن ما دامت وجدت السلطات ستوجد مواضيع يمنع الحديث عنها بشكل صريح، من الأفلام الرمزية في السنوات الأخيرة فلم مثل “District 9” الذي في قصته السطحية يتحدث عن عرق من الفضائين قرر اللجوء لكوكب الأرض، فتقوم السلطات الأرضية بوضعهم في مخيمات، وتعاملهم معاملة الفضائيين تنزع الآدمية منهم، الفيلم رمزية واضحة لتعامل دول تريد أن تدعي الرقي والتطور وتعامل ملف اللاجئين بوحشية لحد يصل إلى نزع إنسانيتهم، وسلسلة “Planet of the apes” يحمل اشارات ورمزيات واضحة عن الإنسانية، العائلة، الانتماء والوجود، نعم يوجد بعض الأفلام التي تبالغ برمزيتها للحد الأقصى، فتصبح القصة عبارة عن مجموعة لقطات غير متناسقة تحتاج إلى شرح لفهم المعنى الرمزي، وهذه النوعية من الأفلام لا يحبها سوى صديقك المحنك الذي يستمتع بالأفلام بلغات غريبة، ويحلل الفيلم أكثر من صناعه أحياناً. فالرمزية في الفيلم ضرورة بغض النظر عن النمط، فقد تجد فيلم رعب أو كوميديا برمزيات عميقة واضحة، وفيلم درامي سطحي.
لا يوجد حدود ولا قواعد للسينما الرمزية، هي فقط أفكار صنّاع الفيلم التي لا يمكن التعبير عنها بسذاجة أو بحوار، فتجلت لتصبح صورة مرئية تنسال بهدوء إلى عقلك الباطن وتخبرك فكرة ما، في المرة القادمة التي تشاهد فيها فيلماً حاول أن تبحث عن رمزياته وماذا يريد أن يخبرك الفيلم بعد القصة السطحية التي تتحدث عن قرود تحكم كوكب الأرض أو فضائين يرغبون بإنشاء مخيم لاجئين على أرضك.
الرمزية في أي شكل فني موضوع يستحق الدراسة و البحث أرجوا أن أكون قد أثرت فضولك في البحث والدراسة، لأن ما ذكر هنا عبارة عن خدش لسطح الجبل العملاق المسمى بالرمزية في الأفلام.
زانيــار علي